كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> قال الأبي وغيره العرب لبلاغتها وحكمتها وحرصها على تأدية المعنى للفهم بأخص وجه تخص كل معنى بلفظ وإن شارك غيره في أكثر وجوهه ولما كانت الأملاك تنتقل من ملك مالكيها بعوض وبدونه سموا المتنقل بعوض بيعاً وحقيقة البيع أنه نقل ملك رقبة بعوض وقد اختلفت الطرق في تعريف الحقائق الشرعية فمنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح والفاسد كتعريف بعضهم البيع بأنه دفع عوض في معوض ومنهم من يعرفها من حيث صدقها على الصحيح فقط لأنه المقصود كتعريف من عرفه بأنه نقل ملك رقبة بعوض على وجه مخصوص فالفاسد لا ينقل الملك وتعقب ابن عبد السلام هذا التعريف بأنه نقل الملك للمبيع لا نفسه قال والبيع غني عن التعريف لأن حقيقته معلومة حتى للصبيان ورد بأن المعلوم خفي لهم وقوعه لا حقيقته وأما انقسامه إلى بت وخيار ومرابحة وغائب وحاضر ومعين وهي الذمة فهو تفسير له باعتبار عوارضه وإلا فحقيقته واحدة‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال قدم يهودي بتمر وشعير وقد أصاب الناس جوع فسألوه أن يسعر لهم فأبى وذكره‏.‏

‏[‏ص 560‏]‏ 2552 - ‏(‏إنما الحلف حنث أو ندم‏)‏ أي إذا حلفت حنثت أو فعلت ما لا تريده كراهة للحنث فتندم أو المراد إن كانت صادقة ندم أو كاذبة حنث قال الغزالي‏:‏ والندم توجع القلب عند شعوره بفوت محبوب وعلامته طول الحسرة والحزن‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ وكذا أبو يعلى كلاهما من حديث بشار بن كدام عن محمد بن زبيد ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الذهبي وبشار ضعفه أبو زرعة وغيره‏.‏

2553 - ‏(‏إنما الربا في النسيئة‏)‏ أي البيع إلى أجل معلوم يعني بيع الربوي بالتأخير من غير تقابض هو الربا وإن كان بغير زيادة لأن المراد أن الربا إنما هو في النسيئة لا في التفاضل كما وهم ومن ثم قال بعض المحققين الحصر إضافي لا حقيقي من قبيل ‏{‏إنما اللّه إله واحد‏}‏ لأن صفاته لا تنحصر في ذلك وإنما قصد به الرد على منكري التوحيد فكذا هنا المقصود الرد على من أنكر ربا النسيئة وفهم الحبر ابن عباس منه الحصر الحقيقي فقصر الربا عليه وخالفه الجمهور فإن فرض أنه حقيقي فمفهومه منسوخ بأدلة أخرى وقد قام الإجماع على ترك العمل بظاهره‏.‏

- ‏(‏حم م ن ه عن أسامة بن زيد‏)‏ حب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وابن حبه‏.‏

2554 - ‏(‏إنما الشؤم‏)‏ بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل ضد اليمن إنما هو كائن ‏(‏في ثلاثة‏)‏ وفي رواية في أربع فزاد السيف ‏(‏في الفرس‏)‏ إذا لم يغز عليه أو كان شموساً أو جموحاً ومثله البغل والحمار كما شمله قوله في رواية الدابة ‏(‏والمرأة‏)‏ إذا كانت غير ولود أو سليطة ‏(‏والدار‏)‏ ذات الجار السوء أو الضيقة أو البعيدة عن المسجد وقد يكون الشؤم في غيرها أيضاً فالحصر فيها كما قال ابن العربي بالنسبة للسعادة لا للخلقة كذا حمله بعضهم وأجراه جمع منهم ابن قتيبة على ظاهره فقالوا النظير بهذه الثلاثة مستثنى من قوله لا طيرة وأنه مخصوص بها فكأنه قال لا طيرة إلا في هذه الثلاثة فمن تشاءم بشيء منها حلّ به ما كره وأيد بخبر الطيرة على من تطير قال المازري وقد أخذ مالك بهذا الحديث وحمله ولم يتأوله وانتصر له بحديث يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فذهب العدد وقل المال فقال دعوها ذميمة قال القرطبي ولا يظن بقائل هذا القول أن الذي رخص من الطيرة بهذه الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقده فيه وتفعل عندها وإنما معناها أنها أكثر مما يتشاءم به الناس لملازمتهم إياها فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فله إبداله بغيره مما يسكن له خاطره مع اعتقاده أنه تعالى الفعال وليس لشيء منها أثر في الوجود وهذا يجري في كل متطير به وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه لا بد للإنسان من ملازمتها فأكثر ما يقع التشاؤم بها قال وأما الحمل الأول فيأباه ظاهر الحديث ونسبته إلى أنه مراد الشارع من فاسد النظر وفي معنى الدار الدكان والحانوت والخان ونحوها بدليل رواية إن يكن الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس فيدخل في الربع ما ذكر والمرأة تتناول الزوجة والسرية والخادم كما في المفهم ويشكل الفرق بين الدار ومحل الوباء حيث وسع في الارتحال عنها ومنع من الخروج من محله وأجيب بأن الأشياء بالنسبة لهذه المعاني ثلاثة أحدها ما لم يقع التأثر به ولا اطردت عادة عامة ولا خاصة به كلقي غراب في بعض الأسفار أو صراخ بومة في دار فلا يلتفت إليه وفي مثله قال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لا طيرة الثاني ما يحصل به الضرر لكنه يعم ويخص ويندر ولا يتكرر كالطاعون فهذا لا يقدم عليه عملاً بالأحوط ولا يفر منه لإمكان حصول الضرر للفار فيكون تنفيره زيادة في محنته وتعجيلاً في هلكته الثالث سبب يخص ولا يعم ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كهذه الثلاثة فوسع للإنسان الاستبدال عنها والتوكل على اللّه والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال كما ‏[‏ص 561‏]‏ ذكره بعض أهل الكمال لكن بقي شيء وهو أن الحديث قد يعارضه خبر البيهقي عن عائشة رضي اللّه عنها كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول كان أهل الجاهلية يقولون إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ثم قرأ ‏{‏ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب‏}‏ الآية‏.‏

- ‏(‏خ د ه عن ابن عمر‏)‏ قال الذهبي مع نكارته إسناده جيد ولم يخرجوه‏.‏

2555 - ‏(‏إنما الطاعة‏)‏ واجبة على الرعية للأمير ‏(‏في المعروف‏)‏ أي في الأمر الجائز شرعاً فلا يجب فيما لا يجوز بل لا يجوز وهذا قاله لما أمر على سرية رجلاً وأمرهم أن يطيعوه فأمرهم أن يقدوا ناراً ويدخلوها فأبوا فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها ثم ذكره‏.‏

- ‏(‏حم ق عن علي‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه ورواه أيضاً أبو داود والنسائي وغيرهما‏.‏

2556 - ‏(‏إنما العشور‏)‏ أي إنما تجب العشور ‏(‏على اليهود والنصارى‏)‏ فإذا صولحوا على العشر وقت العقد أو على أن يدخلوا بلادنا للتجارة ويؤدوا العشور أو نحوه لزمتهم ‏(‏وليس على المسلمين عشور‏)‏ غير عشور الصدقات وتخصيص اليهود والنصارى ليس لإخراج غيرهم من الكفار عن الوجوب بل للإشعار بأنها إذا وجبت مثلاً عليهما وهم أهل كتاب فنحو المعطلة والوثنية أولى والنصارى جمع نصران ونصرانية لكن لم يستعمل النصراني إلا بياء النسبة ذكره الجوهري وفي الكشاف الياء في نصراني للمبالغة كما جرى لأنهم نصروا المسيح عليه الصلاة والسلام وقيل نسبة إلى ناصرة أو نصرة قريتان‏.‏

- ‏(‏د عن رجل‏)‏ من بني تغلب علمه النبي صلى اللّه عليه وسلم كيف يأخذ الصدقة من قومه فقال أفأعشرهم‏؟‏ فذكره ولفظ سنن أبي داود عن حرب بن عبد اللّه بن عمير عن جده أبي أمه عن أبيه يرفعه وهكذا نقله عنه في المنار قال عبد الحق وهو حديث في سنده اختلاف ولا أعلمه من طريق يحتج به وقال ابن القطان حرب هذا سئل عنه ابن معين فقال مشهور وذا غير كاف في تثبيته فكم من مشهور لا يقبل أما جده أبو أمه فلا يعرف أصلاً فكيف أبوه اهـ وقال المناوي رواه البخاري في تاريخه الكبير وساق اضطراب الرواة فيه وقال لا يتابع عليه اهـ وذكره الترمذي في الزكاة بغير سند ورواه أحمد في المسند عن الرجل المذكور قال الهيثمي وفيه عطاء بن السائب اختلط وبقية رجاله ثقات‏.‏

2557 - ‏(‏إنما الماء من الماء‏)‏ أي يجب الغسل بالماء من خروج الماء الدافق وهو المني سواء خرج بشهوة أم دونها من ذكر أو أنثى عاقل أو مجنون بجماع أو دونه وما دل عليه الحصر من عدم وجوبه بجماع لا إنزال فيه الذي أخذ به جمع من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وغيرهم كالأعمش وداود الظاهري، أجيب بأنه منسوخ بخبر الصحيحين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم أجهدها فقد وجب الغسل زاد مسلم وإن لم ينزل لتأخر هذا عن الأول لما رواه أبو داود وغيره عن أبي بن كعب أنهم كانوا يقولون الماء من الماء رخصة رخصها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعدها هكذا قرره صحبنا في الأصول ممثلين به نسخ السنة بالسنة وأما قول البعض نقلاً عن ابن عباس أنه أراد بالحديث نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إن لم ينزل فيأباه ما ذكر في سبب الحديث الثابت في مسلم إنه قيل له الرجل يقوم عن امرأته ولم يمن ماذا يجب عليه فقال إنما إلخ نعم ذهب البعض إلى أنه لا حاجة لدعوى نسخه لأن خبر إذا التقى الختانان مقدم عليه لأن دلالته على وجوب الغسل بالمنطوق ودلالة الحصر عليه بالمفهوم والمنطوق مقدم على المفهوم بل في حجة المفهوم خلاف‏.‏

- ‏(‏م د عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان يا رسول اللّه أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فذكره ‏(‏حم عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري‏.‏

‏[‏ص 562‏]‏ 2558 - ‏(‏إنما المدينة‏)‏ النبوية ‏(‏كالكير‏)‏ زق الحداد ينفخ فيه ‏(‏تنفي‏)‏ بفاء مخففة وروي بقاف مشددة من التنقية ‏(‏خبثها‏)‏ بفتحات وروي بخاء مضمومة ساكنة الباء خلاف الطيب والمراد هنا ما لا يليق بالمدينة ‏(‏وتنصع‏)‏ بنون وصاد مهملة من باب التفعيل أو الإفعال تخلص وتميز ‏(‏طيبها‏)‏ بفتح الطاء وتشديد الباء وفتح الموحدة وبكسر الطاء وسكون الياء وقال الزمخشري‏:‏ تبضع من الإبضاع بباء موحدة وضاد معجمة من أبضعه إذا دفعه إليه بضاعة أي تعطي طيبها ساكنيها وقال ابن حجر في تخريج المختصر‏:‏ تنصع بنون وصاد وعين مهملتين ضبط في أكثر الروايات بفتح أوله من الثلاثي وطيبها مرفوع فاعل وفي بعضها بضم أوله من الرباعي وطيبها بالنصب ونصع معناه خلص وأنصع معناه أظهر ما عنده وكلا المعنيين ظاهر في هذا السياق اهـ وهذا مختص بزمن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه بها إلا من ثبت إيمانه ثم يكون في آخر الزمان عند خروج الدجال فترجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه بدليل خبر مسلم لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها الحديث قيل لما خرج ابن عبد العزيز من المدينة بكى وقال‏:‏ نخشى أن نكون ممن نفته المدينة وهذا قاله لأعرابي بايعه فوعك بالمدينة وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى فخرج فذكره والمراد الإقالة من الإسلام أو الهجرة ثم المذموم الخروج منها كراهة فيها أو رغبة عنها أما خروج جمع صحابيين فلمقاصد كنشر العلم والجهاد والمرابطة في الثغور ونحو ذلك‏.‏

<تنبيه> أخذ جمع مجتهدون من هذا الخبر أن إجماع أهل المدينة حجة لأنه نفى عنها الخبث والخطأ فيكون منفياً عن أهلها والصحيح عند الشافعية المنع وأجابوا عن ذلك بصدوره من بعضهم بلا ريب لانتفاء عصمتهم فيحمل الحديث على أنها في نفسها فاضلة مباركة‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في الحج ‏(‏ت‏)‏ في آخر المجامع ‏(‏ن‏)‏ في الحج ‏(‏عن جابر‏)‏ رضي اللّه عنه‏.‏

2559 - ‏(‏إنما الناس كإبل مئة‏)‏ وفي رواية كالإبل بزيادة أل ‏(‏لا تكاد تجد فيها راحلة‏)‏ أي مرحولة وهي النجيبة المختارة ويقال هي من الإبل المركوب المدرب الحسن الفعال القوي على الحمل والسفر يطلق على الذكر والأنثى والتاء فيه للمبالغة وخصها ابن قتيبة بالنوق ونوزع قال الزمخشري‏:‏ يريد أن المرضى المنتخب في عزة وجوده كالنجيبة التي لا توجد في كثير من الإبل وقال القاضي‏:‏ معناه لا تكاد تجد في مئة إبل راحلة تصلح للركوب وطيئة سهلة الانقياد فكذا تجد في مئة من الناس من يصلح للصحبة فيعاون صاحبه ويلين له جانبه وقال الراغب‏:‏ الإبل في تعارفهم اسم لمئة بعير فمئة إبل عشرة آلاف بعير فالمراد أنك ترى واحداً كعشرة آلاف وترى عشرة آلاف دون واحد ولم أر أمثال الرجال تفاوتت لدى المجد حتى عد ألف بواحد اهـ قال بعضهم خص ضرب المثل بالراحلة لأن أهل الكمال جعلهم الحق تعالى حاملين عن أتباعهم المشاق مذللة لهم الصعب في جميع الآفاق لغلبة الحنو عليهم والإشفاق‏.‏

- ‏(‏حم ق ت ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2560 - ‏(‏إنما‏)‏ وفي رواية الدارقطني إن بدون ما ‏(‏النساء شقائق الرجال‏)‏ أي أمثالهم كذا قرره البعض وأولى منه قول بعض العارفين‏:‏ إنما كن شقائق الرجال لأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام وخلقت كل أنثى من بنيه من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء المرأة وكل خنثى فمن مساواة الماءين في الأخلاق والطبائع كأنهنّ شققن منهم‏.‏

- ‏(‏حم د ت‏)‏ وكذا الدارقطني في الطهارة ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الرجل يجد بللاً ولم يذكر احتلاماً فقال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد ‏[‏ص 563‏]‏ احتلم ولا يجد بللاً قال لا غسل عليه وقالت أم سليم أعلى المرأة ترى ذلك غسل قال نعم ثم ذكره وفي رواية إن أم سليم سألته عن المرأة ترى ما يرى الرجل في النوم قال إذا رأت الماء فلتغتسل فقالت هل للنساء من ماء قال نعم ثم ذكره وأشار الترمذي إلى أن فيه عبد اللّه بن عمر بن حفص العمري ضعفه يحيى بن سعيد ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أنس‏)‏ قال ابن القطان هو من طريق عائشة ضعيف ومن طريق أنس صحيح قال بعضهم ما ثم أميل من النساء للرجال وعكسه لافتقار كل منهما للآخر شهوة وحالاً وطبعاً‏.‏

2561 - ‏(‏إنما الوتر‏)‏ بفتح الواو وكسرها ‏(‏بالليل‏)‏ أي إنما وقته المقدر له شرعاً في جوف الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر فمن أوتر قبل ذلك أو بعده فلا وتر له نعم يسن قضاؤه‏.‏

- ‏(‏طب عن الأغر‏)‏ بفتح المعجمة بعدها راء ‏(‏ابن يسار‏)‏ المدني له صحبة قال أتى رجل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا نبي اللّه إني أصبحت ولم أوتر فذكره قال الهيثمي رجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر‏.‏

2562 - ‏(‏إنما الولاء‏)‏ بالفتح والمد ‏(‏لمن أعتق‏)‏ أي لا لغيره كالحليف وفيه عموم يقتضي ثبوته في كل عتق تبرعاً أو واجباً عن كفارة أو غيرها قاله لعائشة لما أرادت شراء بربرة وأراد مواليها اشتراط ولائها لهم أي فلا تبالي سواء شرطته أم لا فإنه شرط وجوده كعدمه واستفيد منه أن كلمة إنما للحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه ولولاه ما لزم من إثبات الولاء للمعتق ونفيه عن غيره واستدل بمفهومه على أنه ولاء لمن أسلم على يديه رجل خالفه خلافاً للحنفية ولا لملتقط خلافاً لإسحاق وبمنطوقه على إثبات الولاء لمن أعتق سائبة ودخل فيمن أعتق عتق المسلم للمسلم وللكافر وبالعكس وهذا الحديث فيه فوائد تزيد على أربع مئة وذكر النووي أن ابن جرير وابن خزيمة صنفا فيه تصنيفين كبيرين أكثرا فيهما من الاستنباط‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في الفرائض ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وظاهر صنيع المصنف أنه من تفردات البخاري عن صاحبه وهو ذهول فقد رواه مسلم في العتق صريحاً ورواه النسائي وأبو داود‏.‏

2563 - ‏(‏إنما أخاف على أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏الأمة‏)‏ أي شر الأمة ‏(‏المضلين‏)‏ المائلين عن الحق المميلين عنه والأمة جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد يحتمل أنه يريد أنه يخاف على عوام أمته جور جميع أئمة الضلال أئمة العلم والسلطان فالسلطان إذا ضل عن العدل وباين الحق تبعه كافة العوام خوفاً من سلطانه وطمعاً في جاهه والإمام في العلم قد يقع في شبهة ويعتريه زلة فيضل بهوى أو بدعة فيتبعه عوام المسلمين تقليداً ويتسامح بمتابعة هوى أو يتهافت على حطام الدنيا من أموال السلطان أو يرتكب معصية فيغتر به العوام وفائدة الحديث تحذير الإمام من الإمامة على ضلالة وتخويف الرعية من متابعته على الاغترار بإمامته‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الفتن ‏(‏عن ثوبان‏)‏ ورواه عنه أيضاً أبو داود وفيه عبد اللّه بن فروخ تكلم فيه غير واحد‏.‏

2564 - ‏(‏إنما استراح من غفر له‏)‏ أي سترت ذنوبه فلا يعاقب عليها فمن تحققت له المغفرة استراح وذلك لا يكون إلا بعد فصل القضاء والأمر بدخول الجنة فليس الموت مريحاً لأن ما بعده غيب عنا ومن ثم سئل بعض العارفين متى يجد العبد طعم الراحة فقال أول قدم يضعها في الجنة‏.‏

- ‏(‏حل عن عائشة‏)‏ قالت قام بلال إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال ماتت فلانة واستراحت فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكره ثم قال أبو نعيم غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى بن عمران ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن بلال‏)‏ المؤذن قال جئت إلى النبي ‏[‏ص 564‏]‏ صلى اللّه عليه وسلم فقلت يا رسول اللّه ماتت فلانة واستراحت فغضب ثم ذكره وقضية تصرف المصنف أنه لا يوجد مخرجاً لأشهر ممن ذكره ولا أعلا وهو عجيب فقد خرجه أحمد والطبراني بسند فيه ابن لهيعة والبزار بسند قال الهيثمي رجاله ثقات باللفظ المزبور فاقتصار المصنف على ذينك غير سديد‏.‏

2565 - ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ أي مخلوق يجري عليّ ما يجري على الناس من السهو ‏(‏أنسى‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف المهملة وقيل بضم الهمزة وشد المهملة والنسيان غفلة القلب عن الشيء ‏(‏كما تنسون‏)‏ قاله لما زاد أو نقص في الصلاة وقيل له أو زيد فيها‏؟‏ فذكره قال ابن القيم‏:‏ كان سهوه في الصلاة من إتمام اللّه نعمته على عبيده وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما شرعه عند السهو فعلم منه جواز السهو على الأنبياء في الأحكام لكن يعلمهم اللّه به بعد وقال في الديباج‏:‏ استدل به الجمهور على جواز النسيان عليه في الأفعال البلاغية والعبادات ومنعه طائفة وتأولوا الحديث وعلى الأول قال الأكثر شرطه تنبهه فوراً متصلاً بالحادثة وجوز قوم تأخيره مدة حياته واختاره إمام الحرمين أما الأقوال البلاغية فيستحيل السهو فيها إجماعاً وأما الأمور العادية والدنيوية فالأصح جواز السهو في الأفعال لا الأقوال ‏(‏فإذا نسي أحدكم‏)‏ في صلاته ‏(‏فليسجد‏)‏ ندباً هبه بزيادة أو نقص أو بهما ‏(‏سجدتين‏)‏ وإن تكرر السهو مرات ‏(‏وهو جالس‏)‏ في صلاته وما قيل إن اقتصاره على سجود السهو يقتضي أن سهوه كان بزيادة إذ لو كان بنقص لتداركه منع بأن ليس كل نقص يجب تداركه بل ذاك في الواجب لا الأبعاض ثم إن آخر الخبر يدل على أن سجود السهو قبل السلام وأوله بعكسه والخلاف معروف‏.‏

- ‏(‏حم ه عن ابن مسعود‏)‏ ظاهر كلام المصنف أن هذا مما لم يتعرض له أحد الشيخين لتخريجه والأمر بخلافه بل رواه الشيخان بما يفيد معناه بزيادة ابن مسعود أيضاً ولفظهما إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين اهـ‏.‏

2566 - ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ أي بالنسبة إلى عدم الاطلاع على بواطن الخصوم وبدأ به تنبيهاً على جواز أن لا يطابق حكمة الواقع لأنه لبشر لا يعلم الغيوب ولا يطلع على ما في النفوس ولو شاء اللّه لأطلعه على ما فيها ليحكم باليقين لكن لما أمرت أمته بالإقتداء به أجرى أحكامه على الظاهر، والبشر الخلق يتناول الواحد والجمع ‏(‏وإنكم تختصمون إلي‏)‏ فيما بينكم ثم تردّونه إلي ولا أعلم باطن الأمر ‏(‏فلعل‏)‏ وفي رواية بالواو ‏(‏بعضكم‏)‏ المصدر خبر لعل من قبيل رجل عدل أي كائن أو إن زائدة أو المضاف محذوف أي لعل وصف بعضكم ‏(‏أن يكون‏)‏ أبلغ كما في رواية البخاري أي أكثر بلاغة وإيضاحاً للحجة وفي رواية له أيضاً ‏(‏ألحن‏)‏ كأفعل من اللحن بفتح الحاء الفطانة أي أبلغ وأفصح وأعلم في تقرير مقصوده وأفطن ببيان دليله وأقدر على البرهنة على دفع دعوى خصمه بحيث يظن أن الحق معه فهو كاذب ويحتمل كونه من اللحن وهو الصرف عن الصواب أي يكون أعجز عن الإعراب ‏(‏بحجته من بعض‏)‏ آخر فيغلب خصمه ‏(‏فأقضي‏)‏ فأحكم له أي للبعض الأول على الأول وللثاني على الثاني وإن كان الواقع أن الحق لخصمه لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته لكن إنما أقضي ‏(‏على نحو‏)‏ بالتنوين ‏(‏ما أسمع‏)‏ لبناء أحكام الشريعة على الظاهر وغلبة الظن ومن فيهما بمعنى لأجل أو بمعنى على أن أقضي على الظاهر من كلامه وتمسك بقوله أسمع من قال إن الحاكم لا يقضي بعلمه لإخباره بأنه لا يحكم إلا إذا ‏[‏ص 565‏]‏ سمع في مجلس حكمه وبه قال أحمد وكذا مالك في المشهور عنه وقال الشافعي يقضى به وقال أبو حنيفة في المال فقط ‏(‏فمن قضيت له‏)‏ بحسب الظاهر ‏(‏بحق مسلم‏)‏ ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكره المسلم تنبيهاً على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك ‏(‏فإنما هي‏)‏ أي القصة أو الحكومة -الكلمة غير واضحة في الأصل، بين ‏"‏الحكومة‏"‏ أو ‏"‏الحرمة‏"‏، وقد اخترنا ‏"‏الحكومة‏"‏ لمناسبتها للمعنى‏.‏ دار الحديث- أو الحالة ‏(‏قطعة من النار‏)‏ أي مآلها إلى النار أو هو تمثيل يفهم منه شدّة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه شبه ما يقضى به ظاهراً بقطعة من نار نحو ‏{‏إنما يأكلون في بطونهم ناراً‏}‏ قال السبكي‏:‏ وهذه قضية شرطية لا يستدعي وجودها بل معناه أن ذا جائز ولم يثبت أنه حكم بحكم فبان خلافه ‏(‏فليأخذها أو ليتركها‏)‏ تهديد لا تخيير على وازن ‏{‏فمن شاء فليؤمن‏}‏ ذكره النووي واعترض بأنه إن أريد به أن كلاً من الصنفين للتهديد فممنوع فإن قوله أو ليتركها للوجوب وهو خطاب للمقضى له ومعناه إن كان محقاً فليأخذ أو مبطلاً فليترك فالحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ولم يبين له ما هو الحق بالحق دفعاً لهتك أسرار الأشرار وليقتدي به في الحكم ببينة أو يمين وما تقرّر في معنى هذا الحديث هو ما نقحه بعض المتأخرين أخذاً من قول القاضي إنما صدر بقوله ‏"‏إنما أنا بشر‏"‏ تأسيساً لجواز أن لا يطابق حكمه الواقع لأنه لا يعلم الغيب ولا يطلع على ما في الضمائر وإنما يحكم بما سمعه من المترافعين فلعل أحدهما أقدر على تقرير حجته فيقرّرها على وجه يظن أن الحق معه فيحكم له وفي الواقع لخصمه لكن لم يفطن لحقه ولم يقدر على معارضته وتمهيداً لعذره فيما عسى أن يصدر عنه من أمثال ذلك ولو نادراً من قبيل الخطأ في الحكم إذ الحاكم مأمور بالحكم بالظاهر لا بما في نفس الأمر فلو أقام المبطل بينة زوراً فظن الحاكم عدالتها فقضى فهو محق في الحكم وإن كان المحكوم به غير ثابت انتهى وقال القرطبي‏:‏ قد أطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بحق ذلك لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته صلى اللّه عليه وسلم لم يجعل اللّه ذلك طريقاً عاماً ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا لغيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر وتلك سنة اللّه في خلقه ‏{‏ولن تجد لسنة اللّه تبديلاً‏}‏ قال‏:‏ وقد شاهدت بعض المحرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقول الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعاً وهذا خير البشر يقول في مثل هذا المواطن إنما أنا بشر معترفاً بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملاً بما نصبه اللّه له من اعتبار الإيمان والبينات‏.‏ وفي الحديث شمول للأموال والعقود والفسوخ فحكم الحاكم ينفذ ظاهراً وباطناً فيما الباطن فيه كالظاهر وظاهراً فقط فيما يترتب على أصل كاذب فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطناً، فهو حجة على الحنفية في قولهم ينفذ باطناً أيضاً حتى لو حكم بنكاح شاهدي زور حل له وطؤها عندهم وأجابوا عن الخير بما فيه تعسف وتكلف‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم ق ع عن أمّ سلمة‏)‏ قالت‏:‏ سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فذكره‏.‏

2567 - ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ قال الراغب‏:‏ عبر عن الإنسان بالبشر اعتباراً بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها صوف أو شعر أو وبر واستوى في لفظه الواحد والجمع ‏(‏تدمع العين‏)‏ رأفة ورحمة وشفقة على الولد تنبعث على التأمّل فيما هو عليه لا جزع وقلة صبر ‏(‏ويخشع القلب‏)‏ لوفور الشفقة ‏(‏ولا نقول‏)‏ معشر المؤمنين ‏(‏ما يسخط الرب‏)‏ أي يغضبه ‏(‏واللّه يا إبراهيم‏)‏ ولده من مارية ‏(‏إنا بك‏)‏ أي بسبب موتك ‏(‏لمحزونون‏)‏ فيه الرخصة في البكاء بلا صوت والإخبار عما في القلب من الحزن وإن كان كتمه أولى، ودمع العين وحزن القلب لا ينافي الرضى بالقضاء وقد كان قلبه صلى اللّه عليه وسلم ممتلئاً بالرضى ولما ضاق صدر بعض العارفين عن جمع الأمرين عند موت ولده ضحك فقيل له فيه فقال إن اللّه قضى قضاء فأحببت الرضى بقضائه، فحال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أكمل من هذا فإنه أعطى المعبودية حقها ‏[‏ص 566‏]‏ واتسع قلبه للرضى فرضي عن اللّه تعالى بقضائه وحملته الرأفة على البكاء وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماعهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن محمود بن لبيد‏)‏ بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز ومسلم في الفضائل عن أنس بلفظ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون انتهى وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين‏.‏

2568 - ‏(‏إنما أجلكم‏)‏ في رواية للبخاري إنما بقاؤكم ‏(‏فيما‏)‏ أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما ‏(‏خلا‏)‏ قبلكم ‏(‏من الأمم‏)‏ السابقة ‏(‏كما‏)‏ أي مثل الزمن الذي ‏(‏بين‏)‏ آخر وقت ‏(‏صلاة العصر‏)‏ المنتهية ‏(‏إلى مغارب‏)‏ وفي رواية غورب ‏(‏الشمس‏)‏ ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمن الأمم السابقة وليس مراداً بل معناه أن نسبة مدة عمر هذه الأمة إلى أعمار من تقدم من الأمم مثل ما بين العصر والغروب إلى بقية النهار فكأنه قال إلى بقاؤكم بالنسبة لما خلا إلخ فجعل في بمعنى إلى وحذف ما تعلقت به وهو النسبة كما حذف ما تعلقت به إلى ‏(‏وإنما مثلكم‏)‏ أيها الأمة فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به قوله ‏(‏ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل‏)‏ في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل الكتابين مع أنبيائهم ‏(‏استأجر أجراء‏)‏ بالمد بخط المصنف جمع أجير فما في نسخ من جعله أجيراً بالإفراد تحريف ‏(‏فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط‏)‏ أصله قراط بالتشديد وهو نصف دانق والمراد به هنا النصيب وكرره دلالة على أن الأجر لكل منهم قيراط لا أن المجموع في الطائفة قيراط وعادة العرب إذا أرادت تقسيم شيء على متعدد كررته تقول أقسم المال على بني فلان درهماً درهماً أي لكل واحد درهماً ‏(‏فعملت اليهود‏)‏ في رواية حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً ثم قال ‏(‏من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر‏)‏ أي أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها ‏(‏على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين‏)‏ بالتثنية ‏(‏فأنتم‏)‏ أيتها الأمة ‏(‏هم‏)‏ أي فلكم قيراطان لإيمانكم بموسى وعيسى مع إيمانكم بمحمد صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم لأن التصديق عمل قال المصنف المراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه وليس المراد طول الزمن وقصره إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل قال إمام الحرمين‏:‏ الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال ‏(‏فغضبت اليهود والنصارى‏)‏ أي الكفار منهم ‏(‏وقالوا ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء‏)‏ يعني قال أهل الكتاب ربنا أعطيت لأمة محمد ثواباً كثيراً مع قلة أعمالهم وأعطيتنا قليلاً مع كثرة أعمالنا ‏(‏قال‏)‏ أي اللّه تعالى ‏(‏هل ظلمتكم‏)‏ أي نقصتكم ‏(‏من حقكم‏)‏ وفي رواية بدل حقكم أجركم أي الذي اشترطته لكم ‏(‏شيئاً‏)‏ وفي رواية من شيء وأطلق لفظ الحق لقصد المماثلة وإلا فالكل من فضله تعالى ‏(‏قالوا لا‏)‏ لم تنقصنا من أجرنا أو لم تظلمنا ‏(‏قال فذلك‏)‏ ‏[‏ص 567‏]‏ أي كل ما أعطيته من الثواب ‏(‏فضلي أوتيه من أشاء‏)‏ قال الطيبي‏:‏ هذه المقاولة تخييل وتصوير لا حقيقة ويمكن حملها على وقوعها عند إخراج الذر ذكره القاضي قال الفخر الرازي كل نبي معجزاته أظهر فثواب أمته أقل إلا هذه الأمة فإن معجزات نبيها أظهر وثوابها أكثر‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏حم خ ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفي الباب أنس وأبو هريرة وغيرهما‏.‏

2569 - ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ أي أنا مقصور على الموصوف بالبشرية بالنسبة إلى الظواهر ‏(‏وإني اشترطت على ربي عز وجل‏)‏ يعني سألته فأعطاني ‏(‏أي عبد من المسلمين شتمته أو سببته‏)‏ من باب الحصر المجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان قصر قلب لأنه أتى به رداً على من زعم أن الرسول يعلم الغيب فيطلع على البواطن فلا يخفى عليه شيء فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقاً لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه ولم يطرأ عليه تأييد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر ‏(‏أن يكون ذلك له زكاة‏)‏ نماء وزيادة في الخير ‏(‏وأجراً‏)‏ ثواباً عظيماً منه تعالى قال في الزاهر معنى اشترطت عليه جعلت بيني وبينه علامة ومنه قولهم نحن في أشراط الفتنة أي في علاماتها ثم إن هذا من كمال شفقته على الخلق واتساعه في معرفة الحق قال العارف الشاذلي‏:‏ كان إذا آذاني إنسان يهلك للوقت وأنا الآن ليس كذا فقيل‏:‏ كيف قال‏:‏ اتسعت المعرفة‏.‏

- ‏(‏حم م عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه‏.‏

2570 - ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية وهذا إشارة إلى قوله تعالى ‏{‏قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ‏}‏ فقد ساوى البشر في البشرية وأمتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية ‏(‏إذا أمرتكم بشيء من دينكم‏)‏ أي إذا أمرتكم بما ينفعكم في أمر دينكم ‏(‏فخذوا به‏)‏ أي افعلوه فهو حق وصواب دائماً ‏(‏وإذا أمرتكم بشيء من رأيي‏)‏ يعني من أمور الدنيا ‏(‏فإنما أنا بشر‏)‏ يعني أخطئ وأصيب فيما لا يتعلق بالدين لأن الإنسان محل السهو والنسيان ومراده بالرأي الرأي في أمور الدنيا على ما عليه جمع لكن بعض الكاملين قال‏:‏ أراد به الظن لأن ما صدر عنه برأيه واجتهاده وأقر عليه حجة الإسلام مطلقاً

- ‏(‏م عن رافع بن خديج‏)‏ قال‏:‏ قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل قال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً فتركوه فنقصت ثمرته فذكره قال القرطبي‏:‏ إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة فإنه لم يكن ممن يعاني الزراعة والفلاحة ولا باشر ذلك فخفي عليه فتمسك بالقاعدة الكلية التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مدبر إلا اللّه فإذا نسب شيء إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرفية‏.‏

2571 - ‏(‏إنما أنا بشر مثلكم‏)‏ أي بالنسبة إلى الخبرة بما يحصل للأشجار والثمار ونحو ذلك لا بالنسبة إلى كل شيء ‏(‏وإن الظنّ يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال اللّه فلن أكذب على اللّه‏)‏ أي لا يقع عني فيما أبلغه عن اللّه كذب ولا غلط عمداً ولا سهواً وهذا كالذي قبله يفيد أنه لم يكن التفاته إلى الأمور الدنيوية ولم يكن على ذكر منه إلا ‏[‏ص 568‏]‏ المهمات الأخروية‏.‏

- ‏(‏حم ه عن طلحة‏)‏ بن عبد اللّه قال مررت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نخل فرأى قوماً يلقحون فذكره نحو ما تقرر في التأبير‏.‏

2572 - ‏(‏إنما أهلك‏)‏ في رواية هلك ‏(‏الذين من قبلكم‏)‏ من بني إسرائيل ‏(‏أنهم كانوا‏)‏ بفتح الهمزة فاعل أهلك ‏(‏إذا سرق فيهم الشريف‏)‏ أي الإنسان العالي المنزلة الرفيع الدرجة ‏(‏تركوه‏)‏ يعني لم يحدوه ‏(‏وإذا سرق فيهم الضعيف‏)‏ أي الوضيع الذي لا عشيرة له ولا منعة ‏(‏أقاموا عليه الحد‏)‏ أي قطعوه قال في المطامح‏:‏ وهذا جار في عصرنا فلا قوّة إلا باللّه وهذه مداهنة في حدود اللّه وتبعيض فيما أمر بنفي التبعيض فيه قال ابن تيمية‏:‏ قد حذرنا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عن مشابهة من قبلنا في أنهم كانوا يفرقون في الحدود بين الأشراف والضعفاء وأمر أن يسوى بين الناس في ذلك وإن كان كثير من ذوي الرأي والسياسة قد يظن أن إعفاء الرؤساء أجود في السياسة، واعلم أن الحصر قد أشكل على كثير لأن الأمم السالفة كان فيهم أشياء كثيرة تقتضي الهلاك غير المحاباة في الحدود وأجيب إما بمنع اقتضائه الحصر أو بأن المحصور هلاك خاص باعتبار خاص على حد ‏{‏إنما أنت نذير‏}‏ وهو نذير وبشير قال ابن عرفة‏:‏ ويدخل تحت هذا الذم كل من أولى الأمر أو الخطبة غير أهلها وغير ذلك من المحاباة في أحكام الدين وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وأيم اللّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها انتهى بنصه‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن عائشة‏)‏ قالت إن قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فكلموا أسامة فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ أتشفع في حد من حدود اللّه ثم خطب فذكره ثم قال وأيم اللّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها‏.‏

2573 - ‏(‏إنما بعثت فاتحاً خاتماً‏)‏ أي للأنبياء أو للنبوة قال ابن عطاء اللّه ما زال فلك النبوة دائراً إلى أن عاد الأمر من حيث بدأ وختم بمن له كمال الاصطفاء فهو الفاتح الخاتم نور الأنوار وسر الأسرار والمبجل في هذه الدار أعلى المخلوقات مناراً وأتمهم فخاراً ‏(‏وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه‏)‏ القرآن أو كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها ‏(‏واختصر لي الحديث اختصاراً فلا يهلكنكم المتهوكون‏)‏ أي الذين يقعون في الأمور بغير روية قال الحرالي‏:‏ وإنما بعث كذلك لأنه بعث بالقرآن المنزل عند انتهاء الخلق وكمال الأمر بدءاً فكان التخلق جامعاً لانتهاء كل خلق خلق وكمال كل أمر فلذلك كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الفاتح الخاتم الجامع الكامل وكان كتابه خاتماً فاستوفى صلاح هذه الجوامع الثلاث التي جلت في الأولين بداياتها وتمت عنده غاياتها‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي قلابة‏)‏ بكسر القاف وفتح اللام بموحدة واسمه عبد اللّه بن زيد بن عمرو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء البصري أحد الأئمة التابعين ونزيل الشام ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم وهو كثير الإرسال‏.‏

2574 - ‏(‏إنما الدين‏)‏ أي الملة وهو دين الإسلام أي عماده وقوامه ومعظمه كالحج عرفة فالحصر مجازي بل ادعى جمع أنه حقيقي لما سيجيء في معنى النصح وأنه لم يبق من الدين شيئاً ‏(‏النصح‏)‏ هو لغة الإخلاص والتصفية وشرعاً إخلاص الرأي من الغش للنصوح وإيثار مصلحته ومن ثم كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها ليس في كلامهم أجمع منها ولهذا عبر بأداة الحصر والقصر فمن ‏[‏ص 569‏]‏ لا نصح عنده فليس عنده من الدين إلا الاسم وحقيق بالنصح أن يكون بهذه المثابة لأنه الوصف النفسي الذي لا يصدر عنها إلا وهي خالصة من النفاق عارية من الغش فدل بهذه الجملة على أن النصح يسمى ديناً وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ الأصبهاني ‏(‏في التوبيخ عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2575 - ‏(‏إنما المجالس بالأمانة‏)‏ أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار فلا يحلّ لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه كما أفصح به في الخبر الآتي‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في التوبيخ عن عثمان‏)‏ بن عفان ‏(‏وعن ابن عباس‏)‏

2576 - ‏(‏إنما يتجالس المتجالسان‏)‏ أي الشخصان الذي يجلس أحدهما إلى الآخر للتحدث ‏(‏بأمانة اللّه تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما يخاف‏)‏ من إفشائه قال البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها، وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون ممن خالف قول اللّه ‏{‏إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ فتكون من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ في الثواب ‏(‏عن أبي مسعود‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن لال ثم إن فيه عبد اللّه بن محمد بن المغيرة قال الذهبي في الضعفاء قال العقيلي يحدث بما لا أصل له وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ورواه البيهقي في الشعب مرسلاً وقال هذا مرسل جيد‏.‏

2577 - ‏(‏إنما العلم‏)‏ أي تحصيله ‏(‏بالتعلم‏)‏ بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول ‏(‏وإنما الحلم بالتحلم‏)‏ أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب‏:‏ الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب ‏(‏ومن يتحر الخير يعطه‏)‏ أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه اللّه تعالى إياه ‏(‏ومن يتق‏)‏ في رواية يتوق ‏(‏الشر يوقه‏)‏ زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو ردّه من سفر تطير‏.‏